"دعه يذهب" .. فقدان الأحبة يتحول إلى مواجهة قاتلة في الريف الأمريكي

يضعنا المخرج توماس بيزوتشا في فيلم “دعه يذهب” (دراما نيو ويسترن / 108 دقائق / إنتاج أمريكي / السنة 2020/ للروائي لاري واطسون) في قلب قضية إنسانية بامتياز، وهي كيف يمكن أن نواجه الإساءات ؟ !!!…

فيلم “Let Him Go” قطعة متوترة تتحرك في فضاء يتسع لبناء الشخصيات بعيوبها بين الاندفاعات العاطفية القوية ودينامية الكتابة السردية. يدير المخرج هذا المزيج الصعب في محاولة لخلق نوع من التوازن الفني بمهارة كبيرة.

يندرج سياق الفيلم زمن الستينيات من القرن الماضي بمزرعة للخيول بمونتانا، حيث يعيش (لين وكوستنر) مع ابنهما جيمس (ريان بروس) وزوجته لورنا (كايلي كارتر). لدى الجدة مارجريت علاقة شائكة مع زوجة ابنها، وهي تسعى للاهتمام أكثر بحفيدها الصغير وتربيته وفق تصورها. للأسف يموت جيمس بعد أن سقط من ظهر حصانه. تتسارع وتيرة الأحداث في بداية الفيلم… تتزوج لورنا من دوني ويبوي (ويل بريتين). وتكتشف الجدة بمحض الصدفة وبدهشة كبيرة أن الزوج الجديد لزوجة ابنهما السابقة لورنا يسيء معاملتها هي وصغيرها جيمي بالضرب والتعنيف..تختفي لورنا وصغيرها جيمي وزوجها دوني فجأة من البلدة دون سابق إنذار، فتقرر الجدة مارغريت بنوع من التشديد رفقة زوجها جورح البحث عنهما لتجد نفسها أمام عتبة منزل في سفوح الجبال لعائلة دوني غير المضيافة والمتسلطة.

ما يبدأ كدراما استبطانية معقولة حول فقدان الأحبة ومحاولة حمايتهم يتحول تدريجياً إلى عنف تدريجي قاتل يغلف شخصيات الفيلم، يدفعها إلى حتفها في متواليات تثير الإعجاب.

فيلم أصلي مصنوع ببراعة وتشويق ينمو مع توالي المشاهد وانتظار المفاجأة. يقدم كل من لين وكوستنر كل ما لديهما من طاقات، محولين الفيلم إلى شيء غير محتمل: قصة رومانسية مرهقة للغاية غارقة في البحث والإساءات والعناد والانتقام.

الملصق: مخاطر البطولة

تم إعطاء وجهي كيفن كوستنر وديان لين أهمية متساوية على ملصق الفيلم بجوار ماسورة طويلة لبندقية ومنزل يحترق في الخلفية، ولكن الجدة هي من تتحمل أعلى الفواتير خسارة في هذه الرحلة حول مصير صبي صغير ومن يتبناه..

يبدأ الفيلم كقصة بوليسية، ولكن لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لمارغريت وجورج ليجدا طريقهما إلى عائلة ويبوي، في مزرعة رمادية مترامية تعتقد الأسرة المستضيفة أنها تمتلك القوة وسلطة المكان.

يتحول الفيلم عند هذه النقطة إلى فيلم إثارة.. ويسترن بامتياز في الريف الأمريكي، حيث يلعب الممثلون في عائلة “ويبوي” دور الأشرار وتلعب الأم دور الزعيمة والموجهة للصراع، بدءا من جيفري دونوفان في دور بيل “اللطيف”، إلى ويل بريتين في دور (دوني) المهذب، إلى العظيمة ليزلي مانفيل بشعرها الأشقر المجعد وهي تتباهى بنفث سيجارتها وضحكاتها وغمزاتها أنها تمتلك السلطة وبإمكانها القيام بأي شيء يحلو لها.

تكمن المفاجأة الصغيرة في الفيلم أن المؤلف والمخرج توماس بيزوتشا (مقتبس من رواية لاري واطسون لعام 2013) يقدم شخصياته بمزيج من توابل الانتقام والإنقاذ الصادق حول مخاطر البطولة وتبنيها. يقدم المخرج الشخصيتين المركزتين في الفيلم لين وكوستنر الزوجين في الوقت نفسه في صمت مطبق مغلف بالحنان والشر، لكنهما في النهاية متحدان في مصيرهما وفي مهمتهما بالتضحية التي سيقدمها الزوج من أجلها. “دعه يذهب” أمر أساسي لا يمكن التغاضي عنه ولا يمكن تركه…

يمكن قراءة عنوان الفيلم بعدة طرق اعتمادًا على المقصود بهذه العبارة: “دعه يذهب”، هل الجدة مارجريت في صرعها مع بلانش المرأة المتسلطة؟ ومعنى “هو”؟ مع بدء القصة، يتضح أن حجم الخسارات يعمق أحزان الجدة مارغريت بموت ابنها جيمس أولا ثم بفقدان حفيدها جيمي.

صراع الأمومة والتبني

من الناحية الفنية، هناك ثلاث شخصيات نسائية متورطة في مسألة الأمومة، أم الصبي الصغير (كايلي كارتر) تلعب شخصية لورنا، الزوجة التي يموت زوجها الشاب وتتزوج بعد ثلاث سنوات من دوني ويبوي (ويل بريتين) وترحل معه دون أن تترك أي أثر أو أي عنوان.. تبدو خاضعة..خائفة.. منصاعة ..تعاني في صمت ..تتعرض لعنف زوجها الجديد دون أن تبدي مقاومة وتستسلم لقدرها.

بعد موت زوجها في حادث حصان تدخل لورنا غير واثقة وبوجه متجهم – بطريقة لا تثير الكثير من التعاطف – في زواج ثانٍ متسرع وغير حكيم، تاركة راحة مزرعة مونتانا وتهرب إلى مكان بعيد في شمال ولاية داكوتا مع رجل يسيء لها ولطفلها.

تلعب الشخصية الثانية مارجريت دور الجدة المبتسمة والمتوترة عندما تحاول الحصول على معلومات حول مكان وجود عائلة “ويبوي”؛ لها طريقة في إظهار حبها وغضبها بين الصمت والحوار المستمر عن طريق اللمس والهمس والنظرة التي تخفي الحب والخوف من الفقدان. حضر جورج ومارجريت حفل زواج لورنا بنوع من المودة، ولم يمض وقت طويل حتى شعرت مارجريت بالذهول لرؤية دوني يضرب جيمي ولورنا في مكان عام. لاحظت الجدة من نافذة سيارتها أن دوني يصفع جيمي الصغير بسبب إسقاطه الآيس كريم، ثم يصفع لورنا بقوة كما لو أن الإساءة لم تكن مزعجة بما فيها الكفاية.

تصاب الجدة مارغريت بالذعر وبالفزع، لا تقول أي شيء لزوجها، لكن عندما تكتشف أن لورنا ودوني غادرا المدينة للعيش مع عائلته، وأخذ الطفل الصغير معهما، تقرر الجدة الخروج للبحث عن حفيدها….. تسمح الرحلة لجورج ومارغريت بتقييم أوجه القصور بينهما كزوجين وأبوين وجدين، لاسيما بعد فشلها في تنمية علاقة ناجحة مع زوجة ابنها السابقة..يساندها جورج (شريف متقاعد) على مضض حتى وهو يتساءل بصوت عالٍ عما يمكن أن يفعله، ومتيقن أنها الأم الفاسدة في القصة بعنادها.

الأم الثالثة للقصة هي بلانش ويبوي، تمتلك السلطة والقوة والكاريزما وتاريخا طويلا في التسلط… والدة دوني، تلعب دورها العظيمة (ليزلي مانفيل) بصفتها الأم المهيمنة نفسياً على عشيرة ريفية كانت ترهب كل من يتعامل معها حتى ذاع صيتها وأصبحت مصدر خوف لمحيطها ومن يتعامل معها.

رجال الصمت والإذعان

مازال جورج، شريف متقاعد قليل الكلام، قادرا على امتطاء صهوة الحصان. يلعب كوستنر دور رجل قانون مع شارة ومسدس في درجه.

يزاوج الفيلم بين ثنائية الإنقاذ والانتقام في حد ذاته، على الرغم من أنه يبدو كفيلم واحد، كما أنه يحمل أكثر من بعض أوجه التشابه السردية مع هذا الجنس الفيلمي. هناك ومضات من العنف تتمدد بشكل مروّع للغاية.. يستخدم جورج في النهاية كل مهاراته الخاصة كرجل قانون سابق ذي خبرة كبيرة في المواجهة الأولى بين العائلتين على كيفية أكل/ التهام شرائح أطباق من شرائح لحم الخنزير يتخللها حوار تنبعث منه إشارات بالخطر وبالتنازلات، حينها تتجمد عزيمة مارجريت الجليدية. إنه عرض تمثيل أولي بين لين ومانفيل، سيترجم لاحقا في صورة عنف.

مارغريت وجورج مذعوران من المصير الذي يلوح في أفق البحث عن حفيدهما ويشرعان في رحلة البحث في محاولة لاسترجاعه. بصراحة، إنها مارجريت، التي مازالت تطاردها خسارة ابنها، وهي التي تبدأ رحلة الإنقاذ وتصر على ذلك. كما يشير جورج، ليس لديها أي مبرر قانوني لمحاولة انتزاع الصبي من والدته، لكنها مدفوعة بالفطرة؛ يذهب جورج لحمايتها. عندما ينزلان إلى البلدات الصغيرة ويسألان من حولهم، يستمران في سماع قصص عن عشيرة عائلة دوني، الذين يمثلون نوعًا من سلالة رعاة البقر القوية القادمة من الجحيم.

لكن التطورات الأكثر إرضاءً للفيلم تحدث على أطراف القصة الرئيسية، وتتعلق بعلاقات مارجريت: بزوجها جورج بتلميح مبطن عن تاريخه في تعاطي الكحول في الماضي وصداقتها الجديدة مع شاب أمريكي من الهنود (بوبو ستيوارت).. وأخيرا، كيف تعاملت مارجريت مع وفاة ابنها جيمس واستعدادها لإصلاح العلاقة مع لورنا.

يميل جورج إلى الإذعان للروابط القانونية والاجتماعية للزواج بحكم التقاليد السائدة وعشرتهما الطويلة، ويعتقد أنه يطارد دوني فقط حتى تتمكن زوجته من توديع الحفيد؛ ويعرف أن لها حسا من العناد لا يقاوم ولا نية للتخلي عن مسؤوليتها وواجباتها تجاه الصبي.

هناك شخصية أخرى تستحق الاهتمام، شاب أمريكي أصلي هارب (بوبو ستيوارت) يدعى بيتر تم تجريده من اسمه، وإجباره على نسيان لغته، ووجد نفسه وحيدا في كوخ خشبي على ناصية الطريق.. يعمل في النهاية على مساعدة مارغريت على العثور على شيء يستحق الخلاص من الرماد والنيران…الصبي كرمز لامتداد… هناك رجال عائلة “ويبوي” ذوو السمعة السيئة منصاعون لأوامر والدتهم ينفذونها بحذافيرها كما هي….

من الانفتاح نحو الضيق

يحتل المكان في الفيلم حيزا هاما ..منفتحا على مزرعة ومناظر جميلة ومنغلقا على الكآبات والقبح والعنف..يبدأ الفيلم كدراما عائلية تجسد الذكاء في أوائل الستنيات …في منزل عائلي يتسم بالحب والتآخي بين أفراد العائلة والمناظر الخلابة…لكن بموت جيمس ورحيل زوجته يبدأ المكان يضيق ويصلح فقط للنوم والأكل.

تتحول الرحلة، ومن خلالها المكان، من أمكنة مفتوحة إلى مكان يضيق في الأراضي الوعرة (الطريق/ الكوخ/ النزل/ المبيت في مركز الشرطة/ المبيت في السيارة / منزل عائلة ليزلي مانفيل المتسلطة والمظلم).. لأجرة هذا النوع من الخسارات المتعددة النفسية والمادية.

القلق والحيرة والصمت

يبدو القلق والحيرة والصمت من سمات شخصيات الفيلم..صمت يترجم الحيرة..وحيرة تترجم القلق المصاحب من احتمالات المواجهة بعدما تعذرت سبل الحوار، وإيجاد حل بطريقة سلمية لتصل إلى الشخصيات الفيلمية بفقدان قيمتها الرمزية.

تكرار ذكريات وكوابيس الماضي لجورج وهو يقتل ببطء الحصان، وهي إشارة إلى المعاملة السيئة التي عانى منها في طفولته على يد والده.

يتفاعل جورج ومارجريت أولاً بشكل معقول إلى حد ما، ويبحثان عن حل سلمي، ولكن عندما يفشل ذلك فإن التزام النص بأي شيء مثل المنطق السردي يفشل كذلك، ويتحول إلى نوع من المواجهة المفتوحة…

يتفادى الشريف المتقاعد جورج بلاليدج (كيفن كوستنر) رفقة زوجته مارغريت الصدام، ولكنه بعد الهجوم عليه في الفندق ومحاولة اغتصاب زوجته وقطع أصابعه سيسعى إلى الانتقام مهما كانت النتيجة؛ وبالتالي يتجه نحو المزرعة ليلا بعد تعافيه وتحويلها إلى مواجهة قاتلة ينهي فيها العائلة المتسلطة وحرق المنزل والموت وسط النيران. لا يصور الفيلم في البداية الصراع على أنه بين الخير والشر، ولكنه في النهاية يتحول إلى ظلال داكنة ورمادية.

موسيقى الانحدار

يوفر الموسيقى المؤلف مايكل جياشينو – الذي ترتبط أعماله عادة بالأبطال الخارقين والرسوم المتحركة – حيث يرافق بلطف التضاريس المسطحة في بعض المشاهد، بينما يزيد التوتر في نقاط أخرى. وإذا كان مدير التصوير قد جعل منطقة مونتانا تبدو ودودة ومضيافة فإنه يمنحنا آفاقا مترامية الأطراف وغروب شمس غامضا يخفي خطرًا خفيًا تحت روعة الطبيعة في قلب منزل مترامي الأطراف في سفح الجبل يضم عائلة تقودها أم متسلطة بأوامر صارمة في الجانب الأخر.

يتبنى الكاتب والمخرج توماس بيزوتشا شكلاً من أشكال السرد القصصي يسمح بنمو شخصيات وفق المصائر المكتوبة … فيلم نفسي مكثف معقد، يرتكز على تحويل نجمين رائعين، ديان لين والنجم كيفن كوستنر، إلى أداة تشويق سينمائي.

فيلم إثارة صبور ومحزن.. قديم الطراز في طموحاته وبنائه، يقدم صورة بطيئة لاحتراق أبطاله مع خلق تشويق وتوتر كبيرين.. من مجرد احتمال السلم بديلا إلى العنف المحتوم إلى التلاعب بفكرة الإساءة وردها بتعداد نفسي من القلق والحيرة الملموسين لخلق فرجة سينمائية جيدة….

The post "دعه يذهب" .. فقدان الأحبة يتحول إلى مواجهة قاتلة في الريف الأمريكي appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عن الكاتب

لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف التى يولدها التطبيق، إذا كنت تحتاج إلى عدد أكبر من الفقرات يتيح لك مولد النص العربى زيادة عدد الفقرات كما تريد، النص لن يبدو مقسما ولا يحوي أخطاء لغوية، مولد النص العربى مفيد لمصممي المواقع على وجه الخصوص، حيث يحتاج العميل فى كثير من الأحيان أن يطلع على صورة حقيقية لتصميم الموقع.

إعلان