إلى صديقي المؤرخ Yigal Bin-Nun، مؤرخ يعرف جيدا أن التاريخ إما أن يكتب بمداد الدم والألم أو بمداد الأمل والحب. وقد اختار هو أن يكتبه بمداد الأمل والسلام والوحدة.
هل زراعة الأمل مهنة؟
نعم، وقبل ذلك فهي مهمة، وهي مهمة صعبة، ولا يمكن لك أن تقوم بها بدون إيمان عميق عمق إيمان الرسل برسائلهم، وموهبة وذكاء وصبر أيوب.
والمقال قصة تجربة:
ونحن نعد لعقد الدروة الخامسة لمهرجاننا السينمائي بداية صيف سنة 2015، انتهى إلى لجنتنا الفنية فيلما فرنسيا ـ إسرائيليًا ـ أمريكيا معنونا بـWithin the Eye of the Storm، لشابة يهودية مناضلة من أجل السلام والحب، مشبعة بالأمل والإبداع والامتداد الإنساني اسمها Shelley Hermon.
يحكى الفيلم عن شخصيتي بسام ورامي، وهما رجلان كتب للأول أن يكون فلسطينيا وللثاني أن يكون إسرائيليا. كانا، في يوم من الأيام، مقاتلين مستعدين للموت لمصلحة بلديهما. ومن سوء حظيهما أن كل واحد منهما أدى ثمن الحرب بمقتل ابنتيهما.
هل من حياة بعد فقدان فلدة الكبد؟
لا،
لكن بقليل من الأمل نعم،
بعد أن استسلما إلى آلام الحداد المؤلمة، اختارا الانخراط فيما هو غير منتظر، وغير متوقع، إذ قررا الشروع في رحلة مشتركة لاكتشاف بعضهما.
ولإضفاء الإنسانية على العدو الذي كان/ه الواحد بالنسبة للآخر، وذلك بغية تجنيب الآخرين الألم الذي ينخرهما، ومساهمة منهما لإيقاف مسلسل الانتقام، والانتقام المضاد، والذي كلفهما أعز ما يملكان: ابنتيهما.
على طول طريق الرحلة، اكتشفا أن الصداقة والفكاهة تبقيهما معا على قيد الحياة، وتضفى على حياتهما بهجة وحبورا .وتخرج الإنسان الطيب، الودود، العقلاني الذي بداخلهما، القابل للعيش المشترك، وتجاوز أخطاء الماضي الذي يمكن أن يرتكب أخطاء ويطلب المغفرة، وهو يعرف أن الذي يغفر إنما يغفر لنفسه قبل أن يغفر للذي يطلب المغفرة.
يتتبع الفيلم قصتين متوازيتين، ويسلط الضوء على مكامن الضعف والقوة في الصديقين الحاليين/ العدوين القديمين، عبر استعراض تجاربهما الشخصية وعملهما من أجل السلام في مواجهة واقعهم المشوش والمعقد الناتج عن حالة الحرب المستمرة التي يعيشانها في دواخلهما. لذلك، كان السؤال الإشكالي هو: هل ستصمد صداقتهما؟ وهل ستنتصر على واقع الحرب؟، هل سيستطيعان إقناع محيطهما بأنهما معا لم يولدا لخوض الحروب؟ وأن للصداقة فعل ساحر لقيام السلام؟.
قررنا عرض الفيلم؛ لأن مهمتنا كانت وما زالت زراعة الأمل، والعمل على تقريب وجهات النظر بين المختلفين، بين المتحاربين من البشر، من منطلق أن من يريد معالجة قضايا الذاكرة المشتركة، وهي جوهر الخلاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي في تعريفنا الدقيق “الماضي الذي لا يريد أن يمضي”. عليه أن يركب بدون تردد قطار المستقبل الذاهب إلى محطة السلام، وأن لا ينزل في محطة الوهم الديني الذي يحسن تجار الدين بيعه، أو الوهم الإيديولوجي الذي له تجار كبار متخصصون أكثر دموية من أي نظام ديكتاتوري، أو محطة الانتقام التي لا منتصر فيها إلا مسلسل الحقد.
طلب منا أعضاء في لجنة دعم المهرجانات السينمائية التي كان بها آنذاك كثير ممن يلبسون الثقافة لبوس الدين، ويهدفون إلى المساهمة في بناء وطن قومي وعرقي قوي كخطوة لبناء وطن أمة دينية أقوى، طلبوا منا سحب الفيلم من المنافسة لأنه فيلم صهيوني، هكذا حكموا دون حتى مشاهدته، بل فقط لأن مخرجته يهودية إسرائيلية. طلبنا منهم منحنا فرصة لشرح أسباب اختيارنا عرض الفيلم، فكانت الإجابة حاسمة: لا نريد فيلما صهيونيا يخترقنا ثقافيا، ويضعف جبهة المقاومة والرفض، هكذا، بل أكثر من ذلك، وضدا على أخلاقيات سرية مداولات اللجان، وقبل أن نخرج من قاعة الاجتماع كانت أبواق الوهم العروبي، والإسلام السياسي قد سبقتنا إلى المنابر الإعلامية لتطلب رأسنا، ورأسي شخصيا، بل تبعتني هواتف تحذر مني في كل الملتقيات التي يتوهمون أنها تتقاسمهم أوهامهم، وعليكم ان تتصوروا مقدار الألم الذي سببوه لي، لأسرتي ولفريقي المسالم المسكون بالحب والأمل في بناء عالم الكرامة للجميع، والنتيجة كانت حجب دعم المركز السينمائي المغربي عن المهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة في دورته الخامسة. اتصلت بوزير الإعلام آنذاك، فكان الجواب،:عليكم أن تختاروا بين دعمنا- وليس أي دعم ذلك أن مقدار الدعم كان من الضروري بالنظر إلى موقع مهرجاننا أن يتجاوز الخمسمائة ألف درهم- أو عرض الفيلم. وبما أننا مبدئيون، مسكونون بالحرية ومؤمنون بالمستقبل، قررنا أن نحتفظ بدعوة المخرجة التي جاءت إلى البلد، ونعرض الفيلم في دائرة صغيرة، لأننا لم نحصل كذلك على رخصة عرضه خلال المهرجان. حضر إليها عدد من كبار المهتمين بتجربتنا من مختلف الدول التي شاركت في الدورة الخامسة. عرضنا الفيلم، واستمر النقاش إلى أن بزغ الفجر؛ فجر السلم والوحدة والأمل.
في الغد، كان عليّ أن أتدبر كيف يمكن لي أن أملأ الفراغ المالي المهول الذي تسبب فيه حجب المركز السينمائي المغربي لمنحته عنا، فقط لأننا كنا نزرع الأمل، نحن كنا نعرف أن اليوم آت لا ريب فيه…. هل ولدنا قبل زماننا، أم كتب علينا أن نكبر مع حلمنا في عالم بدون حروب، بدون أوهام، عالم يتسع للجميع.
تنبيه مهم:
أكتب هذا من موقع انتمائي إلى دائرة زارعي الأمل، ونحن في الدائرة نشيع بناء عالم تحترم فيه الحقوق الفردية والجماعية والحريات، ونمقت كل الإيديولوجيات وخاصة الصهيونية والقومجية .
تنبيه ثان:
لمن أراد حقيقة حلا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن يترك الموضوع بين الإسرائيليين والفلسطينيين فهم غير قاصرين، وعليهم أن يختاروا قيام دولتين ديمقراطيتين مستقلتين، أو دولة واحدة ديمقراطية تهتم فقط بالشؤون الدنيوية وتترك الشؤون الدينية لكل مواطن أن يعبد من الآلهة ما هو مقتنع به، وكل محاولة ثانية لإلباس الصراع لبوسا دينيا من الطرفين أو لبوسا أيديولوجيا من الطرفين ستنتهي إلى استدامة الوضعية الحرجة للفلسطينيين.
تنبيه ثالث:
لا تقتلوا صديقي الذي فيكم، لا تقتلوا المسالم الذي يسكنكم، لا تقتلوا الإنسان الذي بداخلكم، لا تلهثوا وراء الوهم والسراب،
تنبيه رابع:
حقوق الإنسان كل لا يتجزأ.
تنبيه أخير:
لمن لم يستوعب مضمون المقال ما عليه إلا أن يستحضر قصيدة أنطونيو ماتشادو: أيها السائر ليس ثمة طريق…..
عاشت الصداقة؛ عاشت الحياة،
The post ضريبة أن تكون زارعا للأمل! appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق