شجاعة قيس سعيّد

في تونس، تواصل الجائحة الجثم على أنفاس البلاد، بعد أن فشل “الفراغ” الحكومي والجدل السياسي العقيم في إنقاذ الشعب من عدوى كوفيد 19، بل إن حبل الود بات مقطوعا بين الرئيس المنتخب قيس سعيد ورئيس الحكومة مهدي مشيشي، الذي ساهم في قطع شعرة معاوية بينه وبين الرئيس بعد إصدار قرارات تقضي بإعفاء من سموا “وزراء الرئيس”، ومن بينهم وزير الصحة فوزي المهدي، الذي ينعت بقربه من قيس سعيد.

وكان رئيس الحكومة حصل مؤخرا على تزكية البرلمان للتعديلات الحكومية التي باشرها، بينما لجأ الرئيس إلى الجيش التونسي، فكلفه بتدبير الجائحة.

وكان التعديل الوزاري الذي اقترحه رئيس الحكومة بمثابة رسالة غير مباشرة للرئيس، بعد أن حصل على دعم 144 برلمانيا، علما أن التعديل يهم 11 حقيبة وزارية، من بينها وزارتي الداخلية والعدل؛ الأمر الذي فهم منه تهديد مباشر لاستمرار قيس في منصبه، ذلك أن الأمر لم يعد يحتاج إلا لتزكية المحكمة الدستورية.

أمام هذا الوضع المفهوم والمتوقع سلفا لجأ قيس سعيد إلى البحث في الدستور ليجد الخلاص من التحالف الذي يلعب فيه حزب النهضة لعبة كبرى في الفصل 80 من الدستور التونسي، الذي يقول إنه “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب”.

ولكن استعمال الرئيس الدستور في ممارسة إحدى أقوى صلاحياته لم يكن ليمر بدون زوابع، مازالت تخيم على تونس. وقد سكن الشيطان في الفقرة الثانية من هذا الفصل، وهي الفقرة التي تقول: “يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”.

بالنسبة للنقاش الأكاديمي قد لا يكون هناك حل لهذه المعضلة التي تضمنها الدستور التونسي، لكن المعضلة الأكبر أمام الرئيس كانت مشروع تحويله إلى “كركوز”، بحيث لن تسعفه مهمته في القيام حتى بما يقوم به موظف بسيط في البلدية، بينما الشارع يغلي. وقد كان من الممكن أن تنفلت الأمور بعدما سرى الرعب في نفوس المواطنين، لتنطلق موجة الاحتجاجات ضد الحكومة والبرلمان، بعد غرقهما في الحسابات الشخصية والسياسية على حساب المواطنين، ما أهل الرئيس للاستثمار في “قرار شعبي” أعلن بموجبه حل الحكومة والبرلمان، كما تولى رئاسة النيابة العامة، ما يعني أنه جمع في يده كل عتاد المرحلة من جيش وقضاء وسلطة تنفيذية، وإعلام.

ارتفع منسوب شعبية الرئيس، لتنطلق المظاهرات المؤيدة لقراراته، رغم أن رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، وهو واحد من “أعداء المغرب”، حسب ما أكدته تصريحاته التي قال فيها إن المغرب العربي يجب أن يقتصر على تونس وليبيا والجزائر، كان قد تشبث بجزئيات الفصل 80 التي تقول إن “البرلمان يظل منعقدا”. لكن الرئيس كان قد “سحب الحصير” من تحت أقدام خصومه.

مهما كانت التأويلات فإن شجاعة قيس سعيد وتنسيقه مع الأجهزة الأمنية والعسكرية لمواجهة مخططات “تهويد الدولة”، مهما يمكن أن يقال عنها إلا أنها تضع على الأقل أمام الشعب شخصا مسؤولا، بإمكانه تحمل نتائج المرحلة، اعتمادا على شرعيته الشعبية؛ فهو لم يأت من الفضاء، بل هو أيضا وصل إلى منصبه عبر ترشيح مستقل، أهله للحصول على ثقة 72 في المائة من الناخبين في الانتخابات الرئاسية، وهو أيضا يشكل عنوانا للديمقراطية الشعبية. وما الاحتفالات التي واكبت نجاحه بشارع الثورة، الحبيبة بورقيبة، إلا دليل على “التفويض” الذي يحظى به.

ولا يمكن للمتابع للشأن التونسي إلا أن يتمنى النجاح للشعب الشقيق، في معركته الجديدة إلى جانب الرئيس، وباقي المؤسسات العريقة في البلاد. وقد ظهرت بوادر التعقل مع إعلان رئيس الحكومة السابق مشيشي عن عدم رغبته في الاحتفاظ بأي مسؤولية، بخلاف حزب النهضة، الذي يحاول جعل اللحظة منطلقا لنيل تعاطف جديد، كما جرت العادة دائما بالنسبة لمثل هذه الأحزاب، التي تترك للدولة مهمة تحمل التكاليف الاجتماعية، من صحة وكهرباء وتعليم واستثمار.. بينما تزحف على الكراسي ولا سبيل لمحاسبتها، لأنها لا طعم لها ولا لون.

The post شجاعة قيس سعيّد appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عن الكاتب

لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف التى يولدها التطبيق، إذا كنت تحتاج إلى عدد أكبر من الفقرات يتيح لك مولد النص العربى زيادة عدد الفقرات كما تريد، النص لن يبدو مقسما ولا يحوي أخطاء لغوية، مولد النص العربى مفيد لمصممي المواقع على وجه الخصوص، حيث يحتاج العميل فى كثير من الأحيان أن يطلع على صورة حقيقية لتصميم الموقع.

إعلان