شجرة الأركان .. "ذهب أخضر" وتراث عالمي يواجه "اعتداءات" الطبيعة والإنسان

تحتل شجرة الأركان مكانة مهمة في نمط العيش اليومي لسكان بعض مناطق المغرب، أبرزها سوس؛ فهي شجرة ذات خصوصيات فريدة، إذ اتخذت من غاباتها مراع للماشية في المناطق الجبلية الوعرة، واستعملت أغصانها اليابسة حطبا للطبخ والتدفئة. وأبرز استعمال اليوم هو كون زيته ذات منافع كثيرة، تجاوز التغذية والطهي إلى استعمالات أخرى كالتجميل واستخراج مواد كثيرة، لها قيمة استهلاكية وتجميلية كبيرة، بل شركات عالمية تستثمر مبالغ مالية كبيرة في إنتاج الأركان وكل ما يرتبط به.

خالد ألعيوض، فاعل جمعوي وباحث، اعتبر، ضمن تصريح لهسبريس، أن الأركان، كشجرة عالمية، موروثة عن الزمن الجيولوجي الثالث، يفتخر المغرب بكونه الحاضن الوحيد لها، إذ إن هذه الشجرة حظيت بثلاثة اعترافات دولية لم يسبق لشجرة أخرى أن حظيت بها؛ فالاعتراف الأول كان سنة 1998 كمحمية الأركان للمحيط الحيوي من طرف منظمة اليونسكو. وفي سنة 2014، اعترفت بها اليونسكو للمرة الثانية كتراث إنساني عالمي لا مادي بفعل المهارات التي أبدعتها المرأة الأمازيغية منذ قرون خلت، حيث التصق مصير هذه المرأة بمصير الشجرة. والاعتراف الثالث في سنة 2021، حيث سيتبنى المنتظم الدولي الاحتفال باليوم العالمي لشجرة الأركان يوم 10 ماي.

فطومة الدايش من النساء اللواتي ارتبط اسمهن بمجال الأركان بإقليم اشتوكة آيت باها، إذ إنها تشتغل كرئيسة للتعاونية الفلاحية النسوية “تركانت” التي تعد إحدى أنجح التعاونيات بالإقليم وبجهة سوس ماسة والتي رأت النور في أبريل من سنة 1993.

وعلى الرغم من العقبات التي واجهت اشتغالها، فإن هذه المرأة، المعروفة في الأوساط المحلية باشتوكة آيت باها بـ”تحربالت”، أفلحت في إشراك عشرات النساء القرويات وضمان مورد عيش قار لهن؛ وهو ما أهلها إلى أن تنال تقديرات من مختلف الجهات الرسمية والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية.

وقالت فاطمة الدايش، في تصريح لهسبريس، إنها ولجت العمل التعاوني والجمعوي منذ أربعة عقود خلت، “ونظرا لولعي بمجال الفلاحة منذ نعومة أظافري، فقد تمت مساعدتي في تأسيس تعاونية نسوية. وانطلقت، بمعية عدد من المتعاونات اللواتي يفوق عددهن 140، حتى أصبحنا اليوم من أبرز منتجي ومصدري الأركان ومشتقاته”.

وأضافت المتحدثة ذاتها: “أدى الانبهار بجودة المنتج إلى الدخول في شراكات متنوعة مع منظمات مغربية وأجنبية، ومختبرات عالمية في ميدان التجميل، فضلا عن نيل شواهد اعتراف من طرف المؤسسات المختصة”.

وصلة بموضوع التعاونيات في مجال الأركان، قال خالد ألعيوض إن “الطريقة التي تم بها تدبير ملف المتعاونات غابت عنها الاستمرارية المطلوبة، فجرى تفريخ العديد من التعاونيات بشكل سريع جدا؛ الشيء الذي جعل هذه التعاونيات تعيش مشاكل وأزمة. وأكبر عائق لديها اليوم هو التسويق. لذلك، لا بد أن نناقش بهدوء وبدون مزايدات هذا الموضوع من حيث تحديد التعاونيات الناجحة وأخرى، وهي كثيرة، أنشئت تحت الطلب، فأضحت تعيش أزمة عويصة ومشاكل عديدة”.

وأفاد الفاعل الجمعوي والباحث بأن “قطاع الأركان به متدخلون كثر، ضمنهم القطاع الخاص والشركات الأجنبية، وهي التي تستحوذ اليوم على كثير من المادة الأولية؛ فالذي يمتلك المادة الأولية هو المتحكم في مصير الأركان، إذ هناك من يقتني أطنانا من المادة الأولية ويتحكم فيها ويضمن استمراريتها، وفيها محلات حتى خارج الأركان، ثم دخلت شركات دولية.. والغريب هو أنه اليوم نصدر المادة الأولية في مرحلتها الأولية بثمن بخس. وحين تحول إلى الخارج، ترتفع أسعار المواد المستخرجة منها بشكل صاروخي، فالربح الحقيقي إذن لا يذهب إلى جيوب المتعاونات”.

وتابع المتحدث ذاته: “مشكلة أخرى يعيشها الأركان، وهي أزمة الرعي الجائر التي استفحلت بشكل كبير في السنوات الأخيرة. جحافل من الجمال، في إطار الشركات المتنقلة لتربية الجمال، والتي لا تدخل إطلاقا ضمن النمط التقليدي للترحال، الذي كان يعرف تعايشا متناغما وسلسا مع ساكنة سوس، واليوم، نحن أمام نمط آخر، هو استثمارات كبرى، مما يتسبب في مناوشات ومواجهات بين الرحل والساكنة، لا بد من الدولة أن تقوم بوضع تشريعات ومراجعة القوانين المتجاوزة التي عفا عنها الزمن، فهؤلاء الرحل تجاوزا كل الحدود، بالاعتداء على أشجار الأركان وتدمير هذه الثروة، إلى جانب اعتداءات مباشرة وعلى موارد المياه، مما يجب معه احترام الخصوصيات بسن قوانين صارمة للترحال الرعوي”.

الحديث عن الأركان مرتبط في أذهان الكثيرين بالزيت، إذ يعتبر خالد ألعيوض أن “الزيت يجب ألا تخفي علينا مشاكل الغابة”، وأوضح الفكرة قائلا إنه “نتحدث عن زيت الأركان وعن فوائدها وأنواعها وغير ذلك، فننسى بأن الزيت يأتي من الغابة، وهي اليوم تعيش مشاكل عديدة؛ منها الجفاف والرعي الجائر وغير ذلك.. فعلى الرغم من بذل مصالح الدولة المعنية لجهود واضحة في هذا الصدد، فإنه يجب إعادة تحيين القوانين والظهائر المتوارثة عن الاستعمار وأن توضع قوانين الترحال والملكية، أن ننظر في مصالحات مع الساكنة، فالنموذج التنموي اليوم يطرح مشكلا كبيرا هو أزمة الثقة في المجتمع المغربي، يجب أن تعود الثقة بين مصالح المياه والغابات والإدارة الترابية والساكنة”.

الأركان إذن شجرة استطاعت أن تصل إلى الاعتراف الدولي، وقبله حظيت بعناية خاصة لدى مصالح الدولة المغربية، فخصصت لها وكالة مستقلة، وتؤطر استغلال غاباته قوانين خاصة، وأضحى اليوم يسيل لعاب شركات عالمية؛ لكن واقع عدد من التعاونيات، ومن خلالها النساء المتعاونات القرويات، واقع مزر لا يرقى إلى مستوى ما وصلته الشجرة، فالاعتناء بالعنصر البشري المشتغل في هذا المجال، النساء على الخصوص، أصبح مفتاح أي تقدم منشود يواكب المكانة التي وضعت فيها شجرة الأركان.

The post شجرة الأركان .. "ذهب أخضر" وتراث عالمي يواجه "اعتداءات" الطبيعة والإنسان appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عن الكاتب

لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف التى يولدها التطبيق، إذا كنت تحتاج إلى عدد أكبر من الفقرات يتيح لك مولد النص العربى زيادة عدد الفقرات كما تريد، النص لن يبدو مقسما ولا يحوي أخطاء لغوية، مولد النص العربى مفيد لمصممي المواقع على وجه الخصوص، حيث يحتاج العميل فى كثير من الأحيان أن يطلع على صورة حقيقية لتصميم الموقع.

إعلان