قال أحمد مفيد، أستاذ باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، إن الانتخابات ليست ترفا أو مجرد ممارسة بدون جدوى، وإنما هي لبنة أساسية لبناء دولة القانون وتعزيز المسار الديمقراطي.
واعتبر الباحث المغربي، في مقال توصلت به هسبريس عنونه بـ”أهمية ودواعي المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية”، الانتخاب طريقة مثلى لإسناد ممارسة السلطة من قبل الشعب إلى ممثليه، داعيا المسجلين والمسجلات في اللوائح إلى عدم التردد في التوجه إلى مكاتب الاقتراع تكريسا لمبدأ السيادة الشعبية.
وهذا نص المقال:
أهمية ودواعي المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية
ونحن على مقربة من الانتخابات التشريعية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب والانتخابات الخاصة بمجالس الجهات ومجالس الجماعات، والتي ستجرى يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021، تثار العديد من التساؤلات المتعلقة بالمشاركة السياسية ومدى أهميتها بالنسبة إلى الوطن وبالنسبة إلى المواطنات والمواطنين.
إن الانتخابات ليست ترفا أو مجرد ممارسة بدون جدوى، وإنما هي لبنة أساسية لبناء دولة القانون وتعزيز المسار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات.
كما أن الانتخابات هي الوسيلة لإقامة مؤسسات قوية، وقوة المؤسسات تستمد من طبيعة ونوعية النخب التي تتحمل فيها المسؤولية وتتولى تدبير الشأن العام على كافة المستويات. ولهذا، فإن المشاركة في الانتخابات هي الطريق الديمقراطي لإقامة مؤسسات ذات مصداقية تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لهذه السنة.
ومما لا شك فيه أن الانتخابات والمشاركة السياسية المكثفة هي المدخل الضروري لانتخاب المؤسسات التي تعمل على إعداد وتنفيذ البرامج والسياسات التنموية، سواء على المستوى الوطني من خلال مؤسستي البرلمان والحكومة أو على مستوى الجماعات الترابية من خلال مجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجماعات.
وبالنظر إلى أهمية المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية، فقد نصت عليها وعلى ضمانات ممارستها مجموعة من الإعلانات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. كما عمل المشرع الدستوري بالمغرب على إقرار الحق في المشاركة السياسية ترشيحا وتصويتا، ونص على مجموعة من القواعد المعيارية والإجرائية التي من شأنها ضمان ممارسة الحقوق السياسية؛ وفي مقدمتها الحق في المشاركة السياسية.
كما تضمن الدستور المغربي لسنة 2011 والقوانين ذات العلاقة بالعمليات الانتخابية مجموعة من الضوابط التي من شأنها ضمان حرية الناخب ونزاهة الانتخابات.
وقد اتخذت السلطات العمومية جميع التدابير التنظيمية التي من شأنها تيسير ممارسة المواطنات والمواطنين لحقوقهم السياسية وضمان حقهم في المشاركة السياسية.
ولكل ذلك، يجب على المواطنات والمواطنين المسجلين في اللوائح الانتخابية عدم التردد في أمر المشاركة، والذهاب إلى مكاتب التصويت يوم الاقتراع؛ بالنظر إلى ما للانتخابات أساسا والمشاركة السياسية عموما من أهمية بالغة في جميع الأنظمة السياسية، وخصوصا أنظمة الحكم الديمقراطية.
إن المشاركة السياسية في الانتخابات تهدف إلى تحقيق الغايات التالية:
ـ تكريس مبدأ السيادة الشعبية (السيادة للأمة)؛
ـ انتخاب ممثلي الشعب الذين يتولون المشاركة في ممارسة السلطة باسم الشعب ونيابة عنه (تقرير المصير)؛
ـ المشاركة في ممارسة شؤون الحكم عن طريق المؤسسات المنتخبة (البرلمان، الجماعات الترابية…)؛
ـ ممارسة الحقوق والحريات السياسية؛
ـ التداول السلمي والديمقراطي على السلطة؛
ـ تجديد النخب؛
ـ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛
ـ إرساء دعائم الحكم الديمقراطي؛
ـ إقامة دولة القانون.
وبالنظر إلى الطبيعة الإستراتيجية لأهداف المشاركة السياسية، فقد عملت الدولة المغربية على وضع مجموعة من الضمانات القانونية لجعل الانتخابات آلية لتكريس مبدأ السيادة الشعبية ولضمان تعبير حر عن إرادة الناخبين.
وللتأكيد على أهمية المشاركة السياسية في الانتخابات، نشير إلى الارتباط الوثيق والمباشر للانتخابات بما يلي:
ـ بالديمقراطية، حيث إن الديمقراطية تقوم على أساس نظرية السيادة الشعبية التي تجعل من الشعب هو مالك السيادة ويتولى ممارستها عن طريق انتخاب ممثليه في المؤسسات المنتخبة والذين يتولون تدبير الشأن العام لمدة محددة نيابة عن الشعب وباسم الشعب وتحت رقابة الشعب. ولهذا، فالانتخاب هو الطريقة المثلى لإسناد ممارسة السلطة من قبل الشعب إلى ممثليه.
ـ بالحقوق والحريات الأساسية، حيث إن الحق في المشاركة السياسية يندرج ضمن حقوق الإنسان السياسية والتي نصت عليها الكثير من العهود والمواثيق الدولية. وبالنظر إلى أن الحق في الانتخاب هو أحد أهم حقوق الإنسان، ويشكل مدخلا لممارسة العديد من الحقوق والحريات الأخرى، فقد تم اعتباره جوهر ومحور الحقوق السياسية، وتم النص عليه في كل الإعلانات والعهود الدولية سواء منها العامة أو الخاصة والمرتبطة بمجال الحقوق السياسية.
وجدير بالذكر بأن الحقوق والحريات ينبغي أن لا تبقى مجرد حبر على ورق بقدر ما ينبغي أن تتحول إلى ثقافة وممارسة عادية وطبيعية في حياتنا. ولهذا، ففي الحرص على المشاركة السياسية حرص على ممارسة حق أساسي يعد ركيزة أساسية لممارسة العديد من الحقوق الأخرى.
ـ بالمواطنة، حيث إن المواطنة باعتبارها رابطة قانونية بين الدولة ومواطنيها، تقضي بأن يتمتع المواطنات والمواطنون بمجموعة من الحقوق وبأن يتحملوا مجموعة من الالتزامات ويقوموا بمجموعة من الواجبات. ومن بين أهم واجبات المواطنة، كما هي متعارف عليها في الديمقراطيات العريقة وفي التجارب والممارسات الفضلى، واجب المشاركة السياسية، والذي يتمكن من خلاله المواطنات والمواطنون من محاسبة من يتولى تدبير الشأن ويقومون باختيار الأحزاب السياسية والبرامج الانتخابية التي يرون على أنها تستجيب لتطلعاتهم ويمكن أن تشكل أساسا لوضع سياسات عمومية قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للوطن…
ـ بالمحاسبة والمساءلة، فالانتخابات في الدول الديمقراطية هي وسيلة لمحاسبة جميع الأحزاب السياسية والمنتخبين الذين يتولون تدبير الشأن العام، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الترابي. ويكون ذلك إما عن طريق إعادة التصويت لفائدتهم، أو بمعاقبتهم وسحب الثقة منهم بعدم التصويت لفائدتهم.
ومن خلال مختلف هذه الغايات والدوافع سابقة الذكر، يتبين بشكل جلي أن العزوف عن المشاركة لا يمكن أن يصحح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أو يحسن مستوى المعيشة أو يكرس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة… ولهذه الاعتبارات، يبقى الخيار الأسلم والصائب هو اختيار المشاركة الواعية؛ وذلك بالمساهمة في اختيار الأفضل من حيث البدائل والمشاريع والبرامج المجتمعية التي يقدمها المتنافسون في العملية الانتخابية بعيدا كل البعد عن منطق أن المشاركة لا تغير في الأمر الواقع شيء.
إن اللحظة الانتخابية هي لحظة تاريخية في تاريخ الشعوب والأمم. ولهذا، من الضروري أن يكون فيها الخيار والاختيار إستراتيجيا وعقلانيا بهدف تعزيز مسار البناء الديمقراطي.
وختاما، نؤكد على أهمية وضرورة المشاركة السياسية تعزيزا للمسار الحقوقي والديمقراطي والتنموي ببلادنا، وتعزيزا لمسار الإصلاحات الكبرى من قبيل مشروع الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد والجهوية المتقدمة… وكل تخاذل أو عزوف لن يخدم على الإطلاق مصالح المواطنات والمواطنين وقضايا الوطن.
The post مفيد: الانتخابات ليست ترفا سياسيا .. والتصويت يكرس السيادة الشعبية للأمة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق