هبة بريس – ياسين الضميري
في واحدة من المفارقات الغريبة و العجيبة التي تطرح أكثر من علامة استفهام ، أصبح مفروضا على البيضاويين أن يتعايشوا مع الأرقام التي تحدث عنها عمدة مدينتهم عبد العزيز العماري المنتمي لحزب العدالة و التنمية بخصوص صفقة تفويت قطاع النظافة لشركتين مقابل مبلغ ضخم يقارب 100 مليار سنتيم.
هذا الرقم و الذي قد يبدو للكثير منكم مبالغا فيه بشكل كبير أو ربما قد يتبادر إلى ذهنكم أننا وقعنا سهوا في خطأ ما و أضفنا صفرا في يمينه ، لكن درءا لكل لبس نعيد تذكيركم به ، نعم مئة مليار سنتيم تقريبا قيمة الصفقة التي وقعها مجلس الدار البيضاء مع شركتين للنظافة قصد جمع نفايات سكان العاصمة الاقتصادية كل سنة.
المجلس الجماعي للدار البيضاء، صادق الخميس الماضي بالإجماع على العديد من نقط جدول أعمال الجلسة الثانية من الدورة العادية لشهر فبراير، فيما أجلت نقط أخرى إلى الدورة المقبلة، ومن بين النقط التي هيمنت على نقاش الدورة النقطة المتعلقة بعقود التدبير المفوض لقطاع النظافة.
صفقة تدبير قطاع النظافة التي بلغت 98 مليار سنتيم بزيادة بلغت هذه السنة 23 مليار مقارنة مع السنوات الماضية، ليصبح المبلغ المخصص لقطاع النظافة يشكل ثلث الميزانية العامة للجماعة.
طيب، هذا المبلغ الكبير الذي سيصرفه ببذخ مجلس العماري رغم أن السائد و المتداول أن “البيجيدي” لا ينفقون كثيرا و لا يسرفون في تصريف المال العام ، هاته على الأقل النظرة أو الانطباع الذي سوقوه لنا ليصلوا لمناصب المسؤولية في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة ، -هذا المبلغ- يستحق منا كإعلاميين قبل أن نكون بيضاويين أن نقف عند تفاصيله و لو قليلا لنغوص في أعماقه و نستشف بكم ستنظف نفاياتنا في هاته المدينة ، هذا إن نظفت فعلا.
قبل أن نغوص في تفاصيل الأرقام ، فلنتيقن أولا أن العماري و مجلسه أدخلوا الدار البيضاء ليس لغرفة الإنعاش و حسب و إنما أيضا لكتاب غينيس للأرقام القياسية بصفقة التدبير المفوض لقطاع النظافة بأكبر مدن المغرب و التي تعتبر من بين أضخم صفقات العالم في هذا القطاع.
يوم 21 فبراير 2019 سيظل موشوما ليس فقط في ذاكرة مسؤولي مجلس البيضاء هذا إن كانت ذاكرتهم قوية و طويلة لتعيد تذكره بالشكل الكافي رغم أن التاريخ لا ينسى ، غير أن البيضاويين سيتذكرونه طويلا لكونه سيرهن مصيرهم لسنوات و سيجعل ثلث مالهم العام يصرف على قطاع هم متيقنون أن نتائجه لن ترضيهم و لن تروقهم في نهاية المطاف.
“أفيردا” و “ديشبورغ” ، هما الشركتان اللتان رستا عليهما صفقة تدبير قطاع النظافة بالدار البيضاء بقيمة تقارب المائة مليار سنويا في مدينة تدبر أمورها بحوالي 300 مليار سنتيم ، أي ثلث ميزانية التسيير ستذهب لجمع نفايات البيضاويين ، و بالتالي ستصبح حاويات القمامة بهاته المدينة المغربية الأغلى عالميا ربما.
طيب ، بحسبة بسيطة لا تحتاج الكثير من الاجتهاد و النبوغ ، فحجم النفايات اليومية التي تنتجها مدينة الدار البيضاء تقريبا هي 3600 طن يوميا ، أي أن مجلس العماري خصص 270 مليون سنتيم يوميا لجمع النفايات أي ما يعادل 746 درهم لجمع الطن الواحد من الأزبال المتراكمة بالشوارع و الأزقة.
هاته الأرقام تحيلنا على أن ثمن جمع كيلوغرام واحد من نفايات البيضاء تقريبا هو 75 سنتيم يعني ما بين 16 و 18 ريال للكيلوغرام الواحد ، هذا الرقم الذي قد يبدو صغيرا في وهلته الأولى لكن لا تتسرعوا…
من خلال زيارتنا لموقع “طوب ليست” العالمي و المتخصص في التصنيف و الترتيب لعديد القطاعات بناءا على مؤشرات و معطيات دقيقة ، و بتصفح سريع لقائمة المدن الأنقى في العالم للسنة الماضية يتضح أن كالجاري الكندية تتربع على عرش المدن النقية عالميا، متبوعة بلوكسمبورغ و أديلايد الأسترالية و سنغافورة و سطوكهولم السويدية و كوبي اليابانية و فرايبورغ الألمانية و أوسلو النرويجية ثم برن السويسرية.
و من خلال بحث شامل عن كلفة جمع كيلوغرام واحد من النفايات بهاته المدن الأكثر نظافة في العالم يفترض منطقيا و علميا أن تكون تكلفة ذلك هي الأعلى بالعالم ، غير أن ما اكتشفناه أثبت العكس لنجد أن كلفة جمع كيلوغرام واحد في أنقى مدن العالم لا تتعدى 20 إلى 50 سنتيم كأقصى تقدير ، بينما مجلسنا هنا في الدار البيضاء قرر صرف 75 سنتيم تقريبا على كل كيلوغرام من النفايات و مع ذلك نظافة شوارعنا لا تضاهي حتى ربع نظافة شوارعهم.
في السنة الماضية كان ذات المجلس يصرف مبلغ 75 مليار سنتيم سنويا على قطاع النظافة و مع ذلك شاهدنا البيضاء تتحول لأشبه ما يكون بمزبلة مفتوحة على مصراعيها ، حيث النفايات و الأزبال مرمية بكل حدب و صوب في واحدة من المدن التي تصنف ذاتها في خانة المدن الذكية و الميتروبولات المالية العملاقة.
من 75 مليار لحوالي 100 مليار سنتيم سنويا ، هذا الارتفاع و الذي بلا شك سيدفع ثمنه و فاتورته المواطن البيضاوي المقهور من ماله الخاص بأشكل مختلفة ليملأ به خزائن التسيير الجماعي دون أن ينعم بالحد الأدنى من النظافة التي يأملها في مدينة تتحرك ساكنتها على عجل من أمرها بينما ديناميتها و تنميتها تسير بسرعة حلزونية و هو ما جر على مسؤوليها غضبات متتالية للجالس على العرش و الذي هو بدون شك غير راض عن واقع المدينة الأكبر في المغرب رغم كل المجهوذات المبذولة.
طيب ، هي حسن النية التي تربطنا كساكنة مع المنتخبين الذين يدبرون أمور هاته المدينة ، غير أننا بحاجة لضمانات تجعلنا نثق في أن الرفع من قيمة تمويل صفقة النظافة بمدينتنا سيعود بالنفع علينا كساكنة و ليس فقط على الحسابات البنكية للبعض، و إلى أن يثبت العكس كان الله في عون المواطن البيضاوي و جيبه “المثقوب” أصلا و المثقل بكثرة الديون و المتطلبات في مدينة أشبه ما تكون بحلبة يقاتل فيها بقفازات ملاكم من وزن الريشة، و مبروك علينا “أغلى طارو الزبل حاشاكم في العالم”…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق