لو هاجمتنا دولة مجاورة أو بعيدة بطائراتها وأسطولها ودباباتها وما تملك من عتاد ورجال، هل نقوم باستفتاء الشعب إن كان يقبل بالدفاع عن الوطن أم يتمتع بحقوقه الإنسانية كاملة؟ هل ندفع الإعلام إلى إقناع الشعب بحملة وطنية تبين فضائل الدفاع عن حرمة الوطن؟ هل نجبر خواطر شعب يجهل الحقوق والواجبات ولا ينتبه إليها إلا بـ”التحياح”؛ لكنه بعد أن يفيق يفوق جهابذة الحق والقانون؟ في هذا اللهو واللغو يكون العدو قد شارف على احتلال العاصمة.
نحن الآن أمام ما هو أخطر من عدو خارجي، نحن أمام عدو داخلي يريد قتل المغاربة بحجة الحق والقانون والحريات الفردية، وكأن الخمسة عشر ألف ضحية لفيروس كورونا ماتوا بشيء آخر غير الجائحة، التي يحميها المجرمون بحجج هي الحق الذي يراد به الباطل؛ من نظرية المؤامرة إلى الرهاب إلى التسييس إلى التحزيب، و”كلها يلغي بلغاه” زاد الطين بلة الاستعمال الفظيع للإنترنيت. ونحن عاجزون أمام 5 ملايين من المواطنين الرافضين للقاح ومثلهم الرافضين للجواز، و”كلهم على بعضهم” فاقدون لكل حس وطني، هم حطب جديد لأوميكرون أو مصيبة متحورة أخرى تجر معها آخرين أبرياء محبين لوطنهم.
ماذا فعلت الدولة المغربية “الظالمة”؟ خصصت أكثر من 33 مليار درهم لحماية صحتنا وهيأتْنا للدفاع عن أنفسنا بالحجر والتباعد وكل ما هو قادر على تخفيف المصيبة، هل تكرهنا إلى درجة الخوف على حياتنا؟ أمامكم الشعب الروسي الذي لا يقل دلالا وغنجا عنّا، صنّعت له الدولة لقاحا محليا (سبوتنيك) منذ بداية الجائحة، فتعامل مع هذا المجهود بسوء نية متخلفة، والنتيجة أمامكم، منذ أيام كثيرة والروس يسقطون الألف بعد الألف يوميا، وقد تجاوزوا 300 ألف ضحية للفيروس الذي لا يعترفون بخطورته (لم يستطع أن يقتل مثل هذا العدد الكبير من الروس سوى نابليون وهتلر).
نحن اليوم أمام حيص بيص مشابهة لما تحدثت عنه، أمن حق الدولة أن تفرض التلقيح على الممتنعين وهو تطوعي؟ هل من حق الدولة فرض الجواز؟ هل من حق الدولة منع المحامين من ولوج المحاكم وتعطيل العدالة؟ هل من حقها منع نائبة معصومة كالملائكة من دخول البرلمان؟ وحين نفيق من هذا الباطل نجد المغاربة نقصوا 100 ألف أو مليونا أو عشرة ملايين، نبحث عن كبش فداء للتطبيع مع الموت. وما أكثر أكباش الفداء، تصنعها الشبكات الاجتماعية بسرعة إنتاج الخبز اليومي للمغاربة، وما أكثر ألسنة الشر من أذن إلى أذن ومن هاتف إلى هاتف ومن حاسوب إلى آخر. حتى أصبحنا نكاد لا نقدم الرجل أو اليد أو نفتح الفم إلا بمشورة آخرين، أقل منا علما في الغالب. لهذا، نقول إنه إذا كانت الحروب تلغي الحياة العادية والاعتبارات الاجتماعية بسبب توجيه كل مجهود الأمة إلى الدفاع عن حوزة الوطن فإن الجوائح مثل الحروب أو أخطر وعلى الأمة أن تتحمل مسؤوليتها تماما كما تتحملها أمام مخاطر العدوان.
في مغرب تولت فيه “أمي نعيمة” الإفتاء في السياسة والصحة، لا أمل في أن نتولى أنفسنا أو أن تسند الأمور إلى أهلها إلا بمعجزة. وما سيخفى عنا سيكون أعظم، إذ ستتولى التأثير في الشعب كائنات بشعة في القول والفعل لا قبل لنا بها. أيها المغاربة! لقد قتل فيروس كورونا أكثر مما قتلت كل الحروب التي خاضها المغرب منذ الاستقلال، فهل بعد هذا من جحود؟
The post وجهان لخطر واحد appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق