سنشرب جرعة المسكنات.. ونبلَعُ المِلْعقة

لا أشك بتاتا في صواب ووجاهة مبادرة وزارة الثقافة والشركة الوطنية للتلفزة المغربية في مشروع الاستثمار في المسرح المغربي باقتناء وتصوير 60 مسرحية لفائدة التلفزة المغربية، في محاولة لمواجهة آثار الوباء على المسرح المغربي؛ وأقدر عاليا تجاوب وزير الثقافة السريع مع مطالب المسرحيين والذي كان استثنائيا بالمقارنة مع تفاعل وزراء سابقين مع الموضوع.

سيكون المشروع حقيقة إنقاذا لما يمكن إنقاذه في المسرح المغربي، ولكنه سيكون ربحا توثيقيا مهما للمسرح والثقافة المغربيين، سيسمح بتوثيق أعمال مسرحية وحفظها من النسيان. وهو بعد هذا استمثار في المسرح بتعبير وزير الثقافة نفسه الذي قرر أن يختار كلمات لا تملك مرجعية إكلينكية ومرضية، واختار التوجه نحو المستقبل. ولكني لم أفهم الجملة الأخيرة من البلاغ المشترك بين الوزارة ومؤسسة التلفزة :” وستحدث لجنة مشتركة من ممثلين عن المؤسستين ومهنيين من ذوي الاختصاص لاختيار الأعمال التي سيتم تصويرها وبثها وانتقاء ثلاثة منها للفوز بجوائز هذه الدورة إضافة إلى جوائز في كل من الإخراج والسينوغرافيا والنص والتشخيص ذكور وإناث” فهل هذا برنامج خاص للاستمثار في المسرح، أم صيغة جديدة لتنظيم المهرجان الوطني للمسرح المغربي؟ عمليا لا يمكن للمشروع أن يتحقق إلا خلال سنة 2022، وسيأخذ وقتأ أقله 6 أشهر، وسنكون حينها عند نهاية الموسم، وسيكون مناسبا لو نظمنا مسابقة للمسرحيات المختارة للفوز بجوائز، وها نحن دعمنا المسرح، ونظمنا المهرجان، ومريضنا ما عندو باس… لننتظر ونرى… ولنبتعد عن سوء النية.

60 مسرحية بسعر اقتناء بين 150 ألف و 200 ألف درهم… يعني أن الدولة ستصرف حوالي 10 ملايين درهم على المسرح. الرقم ليس كبيرا في النهاية.. لماذا؟ عادة كان مبلغ دعم المسرح والفعالياته الثقافية يقترب من هذا المبلغ، وآخر مبلغ صرفته وزارة الثقافة على المسرح كان حسب موقعها حوالي 20 مليون درهم سنة 2020 في إطار البرنامج الاستثنائي لدعم المسرح لمواجهة آثار كورونا، وبعدها لا شيء… وفي نهاية 2021 سنجد هذا المبلغ المتمثل في 10 ملايين درهم… وبعدها علينا أن نعرف كيف سيصرف؟ وما هي المسرحيات؟ ومن يستحق؟ وهل ستختار اللجنة المسرحيات بناء على مشاهدتها أم على ملفاتها أم على تسجيلاتها السابقة؟ وهذا ينذر بمعارك فنانين ونقابات كثيرة، ومواجهات بين من استفاد من الدعم ومن لم يستفد ومن استفاد من التوطين ومن لم يوطن… خاصة والوزارة قد حددت مدة بين 2016 و 2021 لإنتاج المسرحيات المرشحة، مما سيثير خلافات أخرى… ولكن، لننتظر ونبتعد عن سوء النية

هل سيكفي مبلغ 10 ملايين درهم للاستثمار الطويل في المسرح المغربي؟ للأسف لا.. سيكون جرعة من المسكنات فقط، لأنه لا يخلق مناصب عمل قارة، ولا يخلق مناصب عمل موسمية، إنه عابر في مسرح عابر، ولا يؤثر على الصناعة المسرحية على المدى المتوسط ولا البعيد؛ ولكنه بالمقابل سيوفر مادة فنية غنية للتلفزيون المغربي تضمن له برمجة الفن المغربي على التلفزيون في أمداء متوسطة. ستستفيد التلفزة أكثر من المسرح…
المسرح المغربي يشبه إلى حد كبير معمل “صوماكا” الشهير لصناعة السيارات في الدارالبيضاء… تأسس سنة 1959، وكان رائد صناعة السيارات خلال السبعينات، ثم انتهى به الأمر مثل مسرح الهواة إلى شبه التوقف. وبدل أن تبدأ الدولة في دعم عمال المعمل ببرامج مؤقتة، وبمبالغ لا تفيد على المدى البعيد، وضعت برنامجا لخلق اقتصاد قوي في صناعة السيارات وأدمجت معمل “صوماكا” في هذا الاقتصاد، وجلبت استثمارت وفتحت معامل جديدة وأرست ما يسمى الآن “اقتصاد صناعة السيارات بالمغرب” الذي بلغ رقم صادراته خلال عند مارس 2021 22 مليار درهم.

ولكن الدولة بقيت تنظر إلى المسرح المغربي مثل “معمل صوماكا” وتحافظ عليه كأنه تراث من الماضي، وتدعم فنانيه بما يشبه الإنعاش، وقررت أن تصور 60 موديلا من موديلاته… دون أن تؤسس حقيقة لصناعة مسرحية حقيقية.

لهذا، على أهمية مبادرة اقتناء و تصوير 60 مسرحية من ريبرتوار المسرح المغربي، فإن المبادرة مؤقتة وعابرة، وقطاع المسرح يحتاج إلى اقتصاد للإنتاج المسرحي ومناصب عمل قارة وموسمية، واستمثار على المديين المتوسط والبعيد.

ورغم تعبير وزير الثقافة بأن المبادرة استثمار في المسرح والثقافة، فهي في العمق دعم وإنعاش لا أقل ولا أكثر …

وما أخاف منه وأنا متأكد منه في الآن نفسه، أننا، نحن المسرحيين سنشرب جرعة المسكنات هذه… وسنبلع الملعقة، وبعد وقت سننتبه أننا عدنا إلى نقطة البدء: لا شيء في سماء المسرح، وسينطبق علينا ذلك المثل العميق الذي يطلقه المغاربة عن الكلب الذي ابتلع منجلا…

The post سنشرب جرعة المسكنات.. ونبلَعُ المِلْعقة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عن الكاتب

لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف التى يولدها التطبيق، إذا كنت تحتاج إلى عدد أكبر من الفقرات يتيح لك مولد النص العربى زيادة عدد الفقرات كما تريد، النص لن يبدو مقسما ولا يحوي أخطاء لغوية، مولد النص العربى مفيد لمصممي المواقع على وجه الخصوص، حيث يحتاج العميل فى كثير من الأحيان أن يطلع على صورة حقيقية لتصميم الموقع.

إعلان